عاجل

أنا حرة 

رانيا الزاهد تكتب: الحفلجية.. عندما يتحول العمل الجماعي لـ"طوق نجاة"

رانيا الزاهد
رانيا الزاهد

بعد أن أنهيت عملي بالجريدة، وفي طريقي لإجراء حوار صحفي، وبالتحديد على محور صفط اللبن باتجاه مدينة السادس من أكتوبر، حدث موقف يعتبر كابوس لأي سيدة تقود سيارة في مصر.. توقفت سيارتي فجأة في منتصف الطريق. نظرات الاشمئزاز من اصحاب السيارات وارتفاع اصوات الات التنبيه وبالطبع سماعي لجمل مثل "دي وقفة دي" و" يخرب بيت الي ادكي رخصة"اصابتني بحالة من التوتر. لحظات مرت وأنا أشعر بالعجز لا اعلم لماذا توقفت السيارة كل المؤشرات على الشاشة سليمة ولا يوجد اي إشارة لوجود عطل ما، بالطبع اتصلت بالميكانيكي في محاولة لمعرف سبب العطل او تجربة اي شئ ربما تستجيب السيارة وينتهي هذا الكابوس.

بعد اسئلة كثيرة من ضمنها "فيها بنزين؟" اجبت نعم مؤشر الوقود يدل على امتلاء نصف التانك وكان الشك الوحيد هو عطل هذا المؤشر فربما التانك فارغ وهنا بدأت رحلة أخرى من اين احصل على البنزين في منتصف محور صفط اللبن؟ وكيف اترك السيارة وهي متسببه في كل هذا الزحام ساعة الذروة ؟ اتصلت بأحد افراد عائلتي الذي يسكن في منطقة الهرم باعتباره الاقرب ولكنه لم يكن متواجد في القاهرة اصلا، لكنه اعطاني الحل السحري الذي انقذني وهو جروب "الحفلجية" على تطبيق "واتس اب" وايضًا صفحة على موقع "فيسبوك" بلغ عدد متابعيها مليون ونصف شخص اجتمعوا لهدف واحد وهو تقديم المساعدة لأعطال السيارات على الطريق بدون اي مقابل مادي. في البداية رفضت الفكرة كيف اضع رقم هاتفي وسط هذا الحشد من الرجال واعتقدت انني لن احصل الا على  "المعاكسات" والمضايقات او ربما محاولة نصب كيف يمكن في هذا الزمن تقديم المساعدة والعون دون مقابل؟! بعد لحظات تلقيت أكثر من مكالمة من شباب يعرفون انفسهم انهم من "تيم بولاق" واستعلموا عن مكاني واسباب العطل لتحديد وسيلة المساعدة وبالفعل وصل شاب وساعدني حتى تم اصلاح العطل وتحركت بسيارتي في امان.

قد يعتقد البعض انه موقف بسيط لا يستدعي الحديث عنه، لكن قررت كتابة هذه السطور لعدة أسبابأولها، تقديرًا لمساعدتهم ولمشاعر الأمان والطمئنينة التي حاوطني بها أفراد "الحفلجية"، في زمن شاهدنا فيه عناوين لحوادث مخيفة مثل التحرش والسرقة والنصب في ظروف مشابهة.

أما السبب الثاني هو إبرازأهمية العمل المدني الجماعي من خلال تجربة حقيقية ونموذج ناجح  للعمل الجماعي المنظم وكيف اصبح طوق نجاة لملايين السائقيين في مصر من الرجال والسيدات قائدي السيارات الملاكي والاجرة والنقل وحتى الموتوسيكلات، حيث بدأ هذا العملبصفحة تضم مجموعة شباب من الجنسين تطوعوا لتقديم الدعم للآخرين ممن يتعرضون لمواقف أعطال السيارات من مناطق ومحافظات مختلفة، ثم توسع العمل ليتم تقسيم المشتركين إلى مجموعات حسب الموقع الجغرافي.

السبب الثالث والأخير، تسليط الضوء على نموذج للرجل المصري مغاير عن ذلك الذي يتصدر عناوين الأخبار وصفحات السوشيال ميديا معظم الوقت، رجل يقدم المساعدة دون مقابل ودون اي محالة للتحرش او الاستفادة، فقد شاهدت شاب لا يعرفني ولا اعرفه تحرك من منزله ليقدم لي المساعدة ولم يتركني إلا بعد أن اطمئن ان السيارة تعمل بشكل طبيعي."الحفلجية" أعادو للأذهان شكل المجتمع المصري القديم المتماسك المتعاون الذي كادت تتلاشى ملامحه مع تغير العادات والثقافات والاجيال.
[email protected]